الأحد، 13 سبتمبر 2009

5-5: العولمة Globalization

التعامل مع تحديات وأبعاد العولمة :
إن عملية العولمة لها تأثيراتها السلبية كما ذكرنا آنفاً بالأبعاد والتأثيرات المختلفة لظاهرة العولمة ، القائمة والمحتملة ، على أغلب بلدان العالم خاصة دول العالم النامي التي تعثرت في مواجهة قضايا التخلف ومشكلاته ، ومع التسليم بأن تأثيرات العولمة على دول ومجتمعات العالم النامي متفاوتة . من حيث طبيعتها ودرجة حدتها ، إلا أن هذا لا يعني أنه لا توجد إمكانيات أو مجالات وفرص لتقليص مخاطر العولمة على هذه الدول وزيادة الايجابيات التي يمكن أن تحققها منها . وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنه من أخطر المواقف التعامل مع العولمة بمعيار الرفض المطلق أو القبول المطلق . فالرفض المطلق للعولمة لن يمكن الدول والمجتمعات من تجنب مخاطرها ، كما أن القبول المطلق لها لن يمكنها من جني ثمارها . ومن هنا تبدو أهمية بلورة الشروط الموضوعية والاستراتيجيات الحركية ، التي تسمح لدول العالم النامي بأن تعظم فوائدها من عملية العولمة ، وتحجم ما يمكن أن تتركه عليها من سلبيات ومخاطر(26) . وهنا لابد من التحرك والعمل على ثلاثة مستويات على النحو التالي :
أ. المستوى الوطني " الداخلي ": حتمية الإصلاح الإداري والسياسي والتعليمي:
إن الأوضاع الداخلية في العديد من دول العالم النامي ومنها الدول العربية لا تؤهلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات عصر العولمة وتحدياته ، مما يحتم ضرورة الشروع في عملية إصلاح داخلي جاد وحقيقي . ورغم أن عملية الإصلاح يجب أن تكون شاملة ، إلا أنه من المهم التركيز خلال المراحل الأولى على العناصر والمجالات ذات التأثير الأكبر في دفع عملية التنمية وإعداد الدول والمجتمعات للقرن المقبل . ومنها على سبيل المثال : إصلاح الأجهزة الإدارية والحكومية التي تمثل العصب الأساسي للدولة وذلك وفقاً لرؤى جديدة تجعل أجهزة الدولة ومؤسساتها أكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة . كما أن إصلاح نظم وسياسات التعليم والتدريب والتأهيل يمثل عنصراً جوهرياً في هذا الإطار باعتباره المدخل الرئيسي لتمنية قدرات البشر ، وخلق قوة عاملة مدربة ومؤهلة وقادرة على استيعاب التطورات المرتبطة بظواهر العولمة . وبالإضافة إلى ما سبق ، فان تطوير سياسات نقل التكنولوجيا وتوطينها والعمل على تنمية قاعدة تكنولوجية محلية يعتبر من المتطلبات الأساسية لتهيئة الدول لعصر العولمة . و إلى جانب الإصلاح الاقتصادي ، فان الإصلاح السياسي يمثل ركيزة أسياسية في أية إستراتيجية إصلاح داخلي . فالإصلاح السياسي القائم على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي بصورة تدريجية وتراكمية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة ظواهر الفساد السياسي والإداري ، يعتبر هو المدخل الحقيقي لبناء دولة المؤسسات ، وتحقيق سيادة القانون ، وترشيد عملية صنع السياسات والقرارات . ولكن بالمقابل ، هل النظم الحاكمة في دول العالم النامي لديها القدرة والرغبة على تحقيق إصلاح داخلي بالمعنى المشار إليه سلفاً ؟ سؤال تخرج الإجابة عليه عن نطاق هذا التقرير (27).
ب. المستوى الإقليمي : ضرورة تفعيل هياكل وسياسات التكامل الإقليمي :
من المفارقات ، أن الدول المتقدمة الأقل تضرراً من سلبيات العولمة هي الأكثر حرصاً على تفعيل مؤسسات وسياسات التكامل والتكتل الإقليمي فيما بينها ، بينما دول العالم النامي الأكثر تضرراً من ظاهرة العولمة لا تولي عملية التكامل الإقليمي الاهتمام الكافي ، بل أن سياسات بعض الدول تصب في اتجاه عرقلة إمكانيات التكامل . ولكن نظراً لعمق التحديات التي تطرحها العولمة على هذه الدول ، ومحدودية قدراتها على التعامل معها فرادى ، فان تطوير سياسات التكامل الإقليمي بين هذه الدول في إطار المناطق والنظم الإقليمية التي تشملها ، أصبح ضرورة خاصة وأن أغلب مناطق العالم النامي لا تنقصها هياكل التكامل ولا التصورات والأفكار والبرامج ، ولكن الذي ينقصها بالأمس هو إرادة التكامل ، بما تتضمنه من معاني الحرص والعمل المشترك على تذليل المشكلات والعقبات التي تعيق التكامل . وقد تكون التحديات المشتركة التي تمثلها العولمة لهذه الدول دافعاً لها لاتخاذ خطوات جادة وحقيقية على طريق تفعيل عمليات التكامل والتكتل الإقليمي فيما بينها (28) .
جـ. المستوى العالمي : ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر ديمقراطية :
لقد ذكرنا آنفاً إلى أن دول الشمال لن تستطيع أن تعزل نفسها عن مشكلات وقضايا دول الجنوب ، وأن استقرار الشمال و أمنه يرتبط في جانب مهم منه بحالة الاستقرار والتنمية في الجنوب والشرق ، مما يؤكد ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر ديمقراطية ، يكون العالم النامي طرفاً مشاركاً فيه وليس على هامشه ، ويجري في إطاره ترشيد عملية العولمة ، ومساعدة دول العالم النامي على مواجهة بعض التحديات المزمنة التي تعاني منها ، والتصدي للمشكلات العالمية العابرة للحدود . وهناك العديد من التصورات والأفكار المطروحة بهذا الخصوص ، وقد ورد كثير منها في التقرير الذي أصدرته " لجنة إدارة شئون المجتمع العالمي " بعنوان " جيران في عالم واحد " .
ودون التحرك على المستويات الثلاثة سالفة الذكر ، فانه لن يكون بمقدور دول عديدة من العالم النامي أن تتعامل مع متطلبات العولمة وتحدياتها ، وستبقى أسيرة لمشكلاتها المزمنة ، وللتحديات الجديدة التي تفرضها عليها المستجدات والتحولات الراهنة ، مما سيؤدي إلى تفاقم مظاهر العنف والفوضى وعدم الاستقرار ، وليس في العالم النامي فقط ، ولكن في النظام العالمي برمته وستصبح الفوضى العالمية هي الوجه الآخر للعولمة المنفلتة . فهل سيكون هذا القرن هو قرن الفوضى المصاحبة للعولمة ؟ (29).
الحواشي :
(26) ورد في :
S. Huntington : The Third Wave ( University of Oklahoma Press, 1991) ,p.16 .
(27) Ibid
(28) حسنين توفيق إبراهيم ، العولمة : الأبعاد والانعكاسات السياسية ( رؤية أولية من منظور علم السياسة ) ، مجلة عالم الفكر ، الكويت ، عدد ديسمبر1999 ، ص216 .
(29) المرجع السابق ، ص221 .

ليست هناك تعليقات: