الاثنين، 21 يوليو 2008


الأمن القومي الكويتي ... ومضيق هرمز ؟

"الحرب " كلمة يكرهها الجميع على مر التاريخ ... لما لها من آثار تدميرية ونفسية بعيدة المدى ... ونحن بالكويت عانينا من هذه الكلمة بشكل مباشر أثناء الغزو العراقي لدولة الكويت ... وبشكل غير مباشر أثناء الحرب العراقية - الايرانية فترة الثمانينات باستهداف الناقلات النفطية الكويتية والمصالح الحيوية للبلاد .... أعقب ذلك مرحلة تهديدات ومناوشات من قبل العراق بعد تحرير دولة الكويت وحشود عسكرية وتصريحات جعلت الكويت بحالة تأهب وطوارئ حتى عام 2003 بسقوط صدام حسين ، وبعد تراجع العراق كقوة اقليمية بالمنطقة برزت ايران التي تسعى الى خلق بيئة اقليمية مواتيه لها ، ولمصالحها ، وصرحت انها بصدد القيام بتطوير القدرات غير التقليدية من خلال تبني ما يسمى ( البرنامج النووي الايراني ) ، تحت عذر الاستخدام السلمي لهذه الطاقة ... أثناء ذلك تم مواجهة هذا الطموح النووي الايراني بحالة استقطاب امريكي بالمنطقة في مواجهة هذا الطموع ... ودخلت اسرائيل على الخط ... بتهديد ايران بالقيام بضربة عسكرية بحال تطورها للقدرات النووية ... مقابل ايضاً تهديد ايراني بضرب اسرائيل عبر صواريخها بعيدة المدى ... وبضرب المصالح الأمريكية بالمنطقة بالاضافة الى اغلاق " مضيق هرمز " ...
وهذا ما نود الوصول اليه بحقيقة الأمر ... وهو تبعات اغلاق مضيق هرمز على الأمن القومي الكويتي والأمن الاقليمي بالمنطقة ... فعلى المستوى العالمي سيؤدي اغلاق مضيق هرمز الى شلل الاقتصاد العالمي وسيترتب على ذلك نتائج خطيرة على اقتصاديات دول المنطقة وفي مقدمتها دولة الكويت التي تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط في دخلها ... فمضيق هرمز يعتبر الشريان الاقتصادي بالنسبة لهذه المنطقة التي ظلت بؤرة صراعات على مدى عقود .ويرى الخبراء والمختصون استحالة ايجاد بديل آخر لتصدير النفط الخام ومشتقاته خصوصا من الكويت عبر طريق آخر سوى مضيق هرمز لعدم امتلاك الكويت لأنابيب نفط .
ان البديل الحقيقي لتصدير النفط في حال اغلاق ايران لمضيق هرمز - كما يرى المختصون - هو خط استراتيجي يربط بين الخليج العربي والبحر الاحمر، أو أن هناك احتمالا آخر وهو مد خط أنابيب من رأس الخليج العربي ابتداء من الكويت وحتى سلطنة عمان ليصب في بحر العرب والمحيط الهندي . وهو اقتراح كويتي قديم ولكن لم تأخذة دول الخليج على محمل الجد . كما أن الدور الاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بالنفط بين دول مجلس التعاون مفقود، حيث ان الكويت كانت تعاني من نقص في الغاز الطبيعي وأرادت استيراده من قطر عبر مروره في انابيب في الاراضي السعودية ولكن الاخيرة عرقلت الموضوع ورفضت انشاء انابيب للغاز الطبيعي على اراضيها بالرغم من وجود خط غاز قطري يمر الى الامارات العربية المتحدة (دولفين) لتصدير الغاز القطري للامارات مما سيضطر الكويت الى استيراد الغاز القطري عبر ناقلات النفط .
وحول السيناريو المتوقع في حال اغلاق مضيق هرمز، لاشك ان اسعار النفط سترتفع ويمكن ان تتجاوز 300 دولار للبرميل، وفي هذه الحالة لا بديل لتصدير النفط الكويتي الا عن طريق البر - كما يرى عضو المجلس الأعلى للبترول موسى معرفي - وهي طريقة تتكلف اكثر بالاضافة الى كثرة تعرضها للمخاطر على الطريق البري كونها مواد مشتعلة مما سيرفع من قيمة التأمين عليها. ولفت معرفي الى ان هناك حلا آخر - في تصريحة لوسائل الاعلام - وهو ان يتم نقل النفط في ناقلات وتخزين النفط في ناقلات عائمة خارج منطقة الخليج حيث ان ايران تقوم بتخزين نفطها منذ فترة في ناقلات عائمة خارج منطقة الخليج لتكون سهلة عبر المحيط الهندي.
ومن جانبه يقول وزير النفط الاسبق علي البغلي ان البديل الحقيقي لتصدير النفط في حال اغلاق مضيق هرمز من قبل ايران يعتبر بديلا صعبا حيث ان هناك بديلين، اما بتوصيل النفط عبر مد انابيب الى بحر العرب او الى البحر الاحمر عبر المملكة العربية السعودية ولكن ذلك يحتاج لاستعدادات كبيرة غير موجودة . واوضح البغلي انه يمكن استعمال حاملات نفط كبيرة او بوارج لتخزين مخزون استراتيجي خارج مضيق هرمز لاستخدامه في حال الازمات، مستبعدا اغلاق المضيق، مبينا انه لو أغلق فلن يستمر لفترة طويلة بل سيتم تطهيره سريعا لأنه مضيق حيوي يمر منه يوميا ملايين البراميل من النفط ومشتقاته مما سيؤدي الى ارتفاع هائل في اسعار النفط اذا توقف التصدير عبره، هذا الى جانب ضعف الدولار الذي سيزيد في الطين بلة . كما أن عدم انشاء الكويت خطوط انابيب يرجع الى الخلافات السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي والتي تعرقل اية تنمية بين الدول مثل قطار السكك الحديد الخليجي وغيرها من الامور التي لم ولن ترى النور بسبب تأزم العلاقات بين الدول الشقيقة . ومن جانبه يقول الخبير النفطي كامل الحرمي انه لا يوجد بديل حقيقي لتصدير النفط الكويتي في حال اغلق مضيق هرمز وان كل البدائل الموجودة عبارة عن قلم رصاص او حبر على ورق. واوضح الحرمي ان السيناريو المتوقع في حال اغلاق مضيق هرمز هو عبارة عن شلل اقتصادي في الدول الاسيوية لفترة لا يعلمها الا الله وعدم تمكن الدول النفطية الآسيوية والخليجية من تصدير نفطها الى العالم والذي يبلغ حوالي 19 مليون برميل يوميا بالاضافة الى اكثر من خمسة آلاف طن من المنتجات النفطية. واشار الحرمي الى ان الكميات الاخرى من النفط ومشتقاته التي سيتم تصديرها للخارج ستكون عن طريق البحر الاحمر وخاصة من المملكة العربية السعودية وستكون قليلة وفي حدود 3 ملايين برميل فقط من هذه المنطقة (غرب الخليج).ولفت الحرمي الى ان انشاء خطوط انابيب ليس له جدوى اقتصادية ويستغرق موافقات كثيرة من الكويت وخارجها واكبر دليل على ذلك ان الكويت تريد استيراد الغاز من قطر عبر انابيب تمر في الاراضي السعودية ولكن المشروع متوقف منذ سنوات بسبب رفض السعودية السماح بمرور تلك الانابيب في اراضيها فكيف سنعبر الخليج الى البحر الاحمر، هذا امر ليس بالهين . وحول البديل قال الحرمي انه لا بديل سوى السلم، لافتا الى ان ما تقوله مؤسسة البترول الكويتية حول وجود بدائل لتصدير النفط في حال اغلاق مضيق هرمز مكلف جدا ويستغرق موافقات حيوية كثيرة ووقتا وكلفة، وكما نرى الدول الشقيقة خلافاتها كثيرة مع بعضها مما يصعب من وجود بديل.
وبدوره يقول استاذ الاقتصاد بكلية العلوم الادارية بجامعة الكويت الدكتور عباس المجرن انه لا يوجد بديل حتى الآن عن تصدير النفط في حال اغلق مضيق هرمز ولكن هناك عدة حلول حيث ان الكويت كان لها تجربة ابان تعرضها للغزو العراقي عام 1990 عندما قامت بتخزين النفط في ناقلات عملاقة ووضعتها خارج الخليج العربي لتفي باحتياجات زبائنها المتعاقدة معهم في الطلبات العاجلة بالاضافة الى ان بعض دول المنطقة التي كانت لديها طاقة انتاجية فائضة كانت تبيع من تلك الطاقة لحساب الكويت على ان تعوضها الكويت فيما بعد ويمكن تطبيق هذين الاحتمالين في حال اقفال مضيق هرمز بشكل مفاجئ خاصة وان الكويت لا يوجد لديها انابيب نفطية.
واوضح المجرن ان موقف الكويت من انشاء انابيب نفطية معارض لان وجهة نظرها تكمن في انه لو كل الدول النفطية الخليجية بحثت عن منافذ بديلة لتصدير نفوطها فستنتهي اهمية الخليج الاستراتيجية كمنفذ للنفط، لافتا الى ان الخليج العربي يشكل اهمية اكبر من ذلك للكويت حيث انه مصدر استيراد السلع لان الاقتصاد الكويتي يعتمد بشكل رئيسي على الواردات الخارجية من السلع لان الانتاج المحلي ضئيل واقفال المضيق سيؤدي الى تعطل دورة الحياة الاقتصادية للبلد. وقال المجرن ان الحل يتمثل في اعادة احياء المخزون الاستراتيجي من السلع والذي يفترض ان يكون كافيا لأطول فترة ممكنة في الكويت ولكنه في الوقت الحالي غير كاف، لافتا الى انه كان هناك مشروع لتعزيز قدرة التخزين للسلع الضرورية الا اننا مازلنا نواجه خطر انقطاع الامدادات من السلع الاساسية في حال اغلاق المضيق مما سيؤدي الى نقص هائل في مخزون السلع وارتفاع كبير في اسعارها والتضخم النقدي سيصبح مثل نقطة في بحر مقارنة بما سيحدث، حيث ان التضخم الحالي في الكويت ناتج عن زيادة السيولة النقدية وارتفاع اسعار النفط والسلع ولكن التضخم الذي سينجم في حال اغلاق «هرمز» سيكون بسبب النقص الهائل في كميات السلع . واوضح المجرن ان السيناريو المتوقع يعتمد على طول الفترة المتاحة امام الكويت للتصرف، فاذا كان هناك متسع من الوقت فيفترض ان عليها ايجاد منافذ خارج مضيق هرمز مثل البحر الاحمر او بحر العرب او المحيط الهندي، وهذه هي البدائل المتاحة والآمنة، ولا ننسى الموانئ الرئيسية في كل من سلطنة عمان وميناء الفجيرة الذي يعد ثالث اكبر ميناء نفطي بالعالم حيث كان الميناءان معرضين للخطر والتعطل وقت اعصار (جونو) الذي اجتاح سلطنة عمان العام الماضي الا انهما يبقيان منفذا بديلا في حالة الخطر العسكري . واضاف المجرن انه حتى الآن مازال الخليج العربي يحتفظ بأهمية استراتيجية عالية وانه اذا حدث تعطيل للملاحة في مضيق هرمز فسيكون مؤقتا لان القوى الدولية لا بد وان تتحرك لايقاف هذا الامر.
يقول رئيس مجموعة التخزين والنقل يعقوب الشرهان ان أسعار الشحن سترتفع بشكل كبير جدا اذا ما حدثت الحرب بالاضافة الى ارتفاع اسعار التأمين والنفط خصوصا اذا ما قررت الحكومة الايرانية اغلاق مضيق هرمز. ويوضح ان الاخطار التي ستحدق بالدول الخليجية تعتمد على نوع الحرب فهل هي حرب باردة ؟ أم ضربة سريعة ؟ أم حرب مفتوحة؟ وتوقع أن تنخفض حركة النقل بين الدول الخليجية بنسبة لن تقل عن 80 % نظرا لشل الحركة في الدول المجاورة لايران، مؤكدا ان هناك صعوبة كبيرة قد تواجهها شركات الشحن اذا ما قامت الحرب فعلا حيث يحتاج نقل النفط الى دعم لوجستي غير متوفر في الكويت، مبينا انه لا يوجد في الكويت انابيب نقل ولا شاحنات مؤهلة لنقل كميات كبيرة من البترول. وأضاف: «تمر عبر مضيق هرمز حمولات شحن تبلغ 2.9 مليار طن سنويا. كما ان صادرات النفط الخام عن طريق المضيق ارتفعت إلى 750 مليون طن في العام 2006حيث تنقل 27 % من الشحنات العابرة بناقلات النفط. وتزيد هذه النسبة إلى 50 % مع احتساب المشتقات النفطية والغاز الطبيعي وغاز النفط المسال».
بناءا على ما سبق ذكرة ... فان الوضع الاقتصادي الكويتي سيكون في أسوأ حالاته بحال اغلاق مضيق هرمز ... وسينعكس ذلك على مختلف المجالات بالدولة مما يضر الأمن القومي للدولة ...ولو بشكل مؤقت ...