الجمعة، 25 سبتمبر 2009

الإشكالية المفاهيمية للأمن القومي:

بالرغم من كون "الأمن القومي" من المفاهيم المحددة إلى درجه ما ، وذلك نظراً لجهود الأكاديميين والسياسيين والعسكريين في هذا المجال، إلا أنه لازال مفهوماً غير واضح ، كما أنه ليس دقيق الملامح ، نظراً لعدة عوامل بعضها عام ، وبعضها خاص على المستوى العربي :
- على المستوى العام:
1. التداخل بين الاختصاصات: وذلك في ما يتعلق بالتخصصات الدقيقة في العلوم السياسية وتناولها لموضوع الأمن القومي ، فهل يختص ذلك بالعلاقات الدولية، أو بالنظم السياسية ، أو أنه حقل مشترك بين فرعي العلوم السياسية المذكورين . ناهيك عن إسهامات العلوم الأخرى كعلم الاجتماع والعلوم العسكرية ، حيث أن لكل علم تصور خاص للأمن القومي .
2. عدم الاتساق: بالنسبة لمفهوم الأمن ، بل أن باري بوزان (Barry Buzan) يعرفه بأنه مفهوم متعارض ، تتنافس أبعادة إلى حد كبير ، الأمر الذي وصل ببعض المفكرين إلى القول بأن مفهوم الأمن قد لا يكون له معنى أساساً .
3. قلة الإسهامات النظرية: التي تتناول المفهوم بشكل محدد والاكتفاء بالشواهد الامبريقية ويرجع ذلك إلى :
· وجود نوع من الاختلاط واللبس المتبادل بين مفهوم الأمن ومفهوم القوة ، إلى حد أن البعض أصبح مفهوم الأمن لديهم مشتقاً من مفهوم القوة .
· الانتقادات ضد الواقعيين ، ومنهجهم ، ومن ثم عدم الاهتمام بالمفهوم ، حيث اتجه المثاليون إلى مفهوم آخر يتمثل في السلام بدلاً من الأمن .
· إن حقل الدراسات الإستراتيجية والذي مثل الأمن القومي مفهوماً جوهرياً فيه ، اهتم بالعديد من الأدبيات الامبريقية ، الخاصة بالسياسة العسكرية ، وتراجع البعد التنظيري فيه خاصة في مجال العلوم السياسية (1).
- على المستوى العربي :
1. تركيبة الواقع العربي:
والتي تعاني من عدم التطابق بين البعدين الاجتماعي القومي و السياسي السلطوي، أي بين الأمة والدولة ، مما انعكس ذلك على المفاهيم والمواقف العربية ، فردياً ومؤسسياً ، مجتمعياً وسلطوياً ، فتراوحت بين التصورات الوطنية والقومية للأمن (2).
2. ازدواجية الترجمة: وذلك باقتباس الدراسات العربية مصطلح الأمن القومي من اللغتين الانجليزية (National Security) والفرنسية (Securete Nationel)، وترجمته مرة بصيغة "الأمن الوطني"، ليناسب حالة الدولة القطرية العربية القائمة، ومرة بصيغة "الأمن القومي"، ليتناسب الحالة المنشودة للأمة العربية ، وليكون لكل ترجمة معناها الخاص المختلف للترجمة الثانية ، نظرياً وعملياً ، ولتكون ازدواجية الترجمة ، انعكاساً لازدواجية الواقع العربي ، بالمقابل إذا ذكر مصطلح الأمن القومي مرتبطاً بحالة العربية ، فقد يتطابقان المصطلحان وقد يتعارضان ، تبعاً لطبيعة العرض وأسلوبه وموضوعه (3).
وبعد التعرف على الأزمة المفاهيمية للأمن القومي ، والتعرف على أبرز التعريفات المطروحة لهذا المفهوم ، يمكننا التوصل لأبرز خصائص مفهوم الأمن القومي .
* خصائص الأمن القومي :
1- مفهوم مركب: من حيث النظرية والتطبيق ، كما أنه ذو بعدين : داخلي وخارجي ، فالداخلي يتعلق بالدولة و خصائصها واحتياجاتها وأهدافها ، وقد لا تتماثل المطالب الأمنية للدول مع بعضها البعض وذلك لخصوصية كل وحدة سياسية ووجود الفوارق بين الحالات المختلفة ، أما البعد الخارجي فيتعلق بالمتغيرات والبيئات الإقليمية والدولية التي تعيش الدولة في إطارها وتتفاعل فيها ومعها ، وفي إطار علاقاتها مع غيرها من الوحدات الدولية ، ففي ظل ظاهرة العولمة Globalization والاعتمادية المتبادلة ، لم يعد بالإمكان الفصل بين ما هو نظري عن ما هو عملي ، والداخلي عن الخارجي ، والمحلي عن الإقليمي والدولي ، والمجتمعي عن الحكومي .
2- الشمولية: فمفهوم الأمن القومي يشمل في إطاره كل أوجه الحياة الإنسانية (الطبيعية والاجتماعية والسياسية)، وكل أنشطتها (العسكرية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتربوية .... الخ)، مما يجعل منه مصدراً لظهور المفاهيم المتخصصة للأمن القومي في المجالات المختلفة مثل (الأمن العسكري ، والأمن الاقتصادي ، و الأمن الغذائي ، والأمن الثقافي ، والأمن المائي ... الخ)، التي تبقى – على الرغم من استقلالها – مفاهيم فرعية للمفهوم الكلي للأمن القومي .
3- النسبية: فان مفهوم الأمن القومي يتصف بالنسبية كونه يعتمد بشكل رئيسي على تصورات صناع القرار السياسي حيال فهمهم لطبيعة التهديدات التي تتعرض لها الدولة ، بالرغم من أهمية العوامل الموضوعية في تحديد مرتكزات الأمن القومي ، إلا أن العوامل الذاتية التي تتعلق بصناع القرار ونوعيتهم ومدى وعيهم وإدراكهم هي التي تقرر مدى التهديد الذي تتعرض لها الدولة ، كما أن نسبية الأمن تعتمد على عدة أمور يمكن من خلالها لأي دولة أن تبني سياساتها ، أهمها غياب أي تهديد خارجي لأي دولة من الدول ، أو وجود جماعه دولية فعالة للأمن الجماعي قادر على ردع أي دولة تقوم بالاعتداء على دولة أخرى ، حسب طبيعة الوضع القائم والمتغيرات الدولية والإقليمية ، فغالباً ما تميل الدولة إلى ترجيح اعتمادها على قوتها الذاتية لتأمين أمنها القومي . بيد أن الاعتماد على القوة الذاتية لا يمكنه دائماً أن يحمي الدولة ما لم يكن لها دعم من قوى دولية أو إقليمية أخرى ، ولقد ساهم التطور التكنولوجي للسلاح في تأكيد نسبية أمن الدول وهذا بحد ذاته سبب كاف لإسقاط صفة الإطلاق عن أمن أي دولة .
4- الديمومة: فالأمن القومي ثابت ودائم ، كونه يمثل الثوابت القيمية الأساسية والمبادئ النظرية العامة ، ومن ثم فان تغير الاهتمامات التقليدية للدول أو أي من وحدات النسق الدولي الأخرى لا يلغي حقيقة أن الأمن بالنسبة إليها يحتفظ على الدوام بمبادئه النظرية وثوابته القيمية ، ويحظى بالمكانة الأولى في سُلم أولويات الدول .
5- التنوع: من حيث الصيغ المفاهيميه المعبرة عنه ، والتطبيقات العملية المجسدة له ، بالنسبة إلى كل الدول ، أو بالنسبة للدولة ذاتها إذا اختلفت الظروف والأوقات . فالصياغات المفاهيمية للأمن ، وسياساته التطبيقية ، محكومة – أولاً – بخصائص الدولة وقدراتها وتقديراتها بشأن قيمها واحتياجاتها ومصالحها وأهدافها ، والتهديدات والمخاطر التي تواجهها . وهي ثانياً متفاعلة مع المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية .
الحواشي :
(1) محمد أحمد العدوي ، العشوائيات والأمن القومي في مصر 1990-2000 : دراسة في الأبعاد الداخلية ، رسالة دكتوراه ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، القاهرة 2005 ، ص4-7 .
(2) لواء محمود إسماعيل محمد ، الأمن القومي العربي – المصري وحرب أكتوبر ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ، القاهرة 1985 ، ص21-ص22 .
(3) علي عباس مراد ، مشكلات الأمن القومي ، م.س.ذ ، ص25-26 .

ليست هناك تعليقات: